الاثنين، 2 أبريل 2018

لؤلوة العجلان: الحضور المختلف..!!

                                        



لم تكن لؤلوة العجلان -رحمها الله- بدعاً بين الأمهات فيما تحمله من رأفة في القلب، ومودّة في النّفس، وسمو في الحبّ؛ ولكنّها بدعًا في خصيصة متفرّدة تضاف إلى تلك الخصائص قلَّ أن تكون حاضرة في أغلب الأمهات. 
إنّها خصيصة "الحضور" و"القبول"؛ وهي خصيصة قلّ أن تجتمع في أمٍّ واحدة ما لم تكن أهلاً لها حينما يكون للحضور لبقاته وهيبته، وللقبول جماله وبهائه.
لم يكن حضور "لؤلوة العجلان" صورة حيّة تحضر فيها للعيان، وتتبدّى للملأ من خلال منصّات القول -كما قد يتبادر إلى الذهن-؛ ولكنّه حضورٌ من نوعٍ خاصٍِّ جدَّا، قد يبدو جليّاً في شخص عامل المعرفة الأديب والكاتب الدكتور أحمد بن عبدالرحمن العرفج بكلّ معاني الأدب واللّباقة حينما يستوى في حضوره المخبر مع المظهر، والعلانية مع الطّوية.
فأيّ مغنم تكسبه هذه الأم؟!
إنّه مغنم الدعاء والوفاء، ومغنم الحبّ والشعور، ومغنم البر وحسن الخاتمة!!
فمن أمثال لؤلؤة -عليها رحمة الله- نستمد قوّة الشّعور والإحساس به، ومنها نستمد عمق ما تستجيش به الحياة من معاني ودلالات، ومن أمثالها نلتقي بنسبٍ قويّ يحلّ في دواخلنا ويتحرّك في أوردتنا حينما يمخر فينا بالإحساس والجمال والسّماحة والرضى والقبول.
لقد عرفت لؤلوة العجلان منذ بضعة سنوات من خلال ما يربطني بالصديق أحمد العرفج من أواصر الود والأخوة والمشاركة في الفكرة والرأي، وكنت أسمع صوتها -رحمها الله- تلهج بالدعاء لي كما تلهج بالدعاء لمئات غيري، وعندما وصلني خبر وفاتها تذكّرت ذلك الصّوت المشحون بالكِبر والمرض، ويعتصم بالرضا والقبول بقضاء الله وقدره، وتذكرت ذلك الولع الذي يسكن أمشاج ابن بارٍ بأمه أيما يكون البر والطّاعة، فبمقدار ما بكيت لفقدها، بكيت لأحمد حينما تجتمع على المرء بعد المسافة مع تضافر الشوق ولوعة الفراق وبعد الشقة والغربة!!
لقد ألقت علينا لؤلوة العجلان وافر ظلها حتى شملتنا بدثار ودها ووقارها الخاشع الذي ساقنا إليها دون أن نعي، وتعطشنا إليها كما تتعطش الأرواح إلى الأرواح والنفوس إلى النفوس حتى غذت أمّاً لنا وافية بمعاني الأمومة التي لا تبرح عادة أغلب الأمهات منذ أن خلق الله آدم وحواء.
عندما يغبن الأمهات، ويفترشن براحات التراب، ويطوى عنهن سقف الحياة ساعتها فقط ينزع عنا نحن الأبناء جميع ما رحب في الأرض وما بينها من الفضاء، وتطوى عنا ما فيها من فسحة وطلاقة؛ لتبقى بعد ذلك الذكرى، والذكرى وحدها لا تجوس عنا كما هي هواجس النفس ومطارح الفكر.
وَللواجِدِ المَكْرُوبِ مِن زَفَراتِهِ
سُكُونُ عَزاءٍ أوْ سُكونُ لُغُوبِ
ساري محمد الزهراني
* إعلامي وأكاديمي
:sary27@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق